تحولات الجولاني- من التطرف إلى البراغماتية..مخاوف مستقبل سوريا
المؤلف: نجيب يماني10.24.2025

من الصعب تصديق التحولات الجذرية والمتسارعة التي طرأت على شخصية أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، وتغيّره من التشدد الأيديولوجي المتطرف الذي تجسده السلفية الجهادية إلى حالة من الاعتدال البراغماتي والخطاب العقلاني المتزن، لا يمكن اعتبار هذا التبدل تطوراً طبيعياً أو تحولاً منطقياً، دون أن تثير هذه القناعة العديد من علامات الاستفهام والشكوك العميقة.
الفترة الزمنية الفاصلة تبدو عصيبة ومثيرة للدهشة والاستغراب بين شعارات الثورة السورية، التي كانت تهدف إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد، والخطاب الذي يتبناه اليوم، حيث ظلت شعارات الثورة حبيسة خطاب ديني متطرف بلغ ذروة التشدد والتعصب، حتى صنّف الشرع من قبل الخارجية الأمريكية كإرهابي عالمي، بينما تتسم شخصية الشرع الحالية بعقلانية واضحة ومنطقية قادته إلى التصريح بأنه لا يمكن أن نتوقع في بلد كسورية، الغني بتنوع مكوناته، أن يسودها رأي واحد، وأكد أن «سورية قد انتقلت من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة».
إن الشرع لم يستغرق سوى ثلاثة أيام فقط لإظهار هذا التباين الصارخ والتناقض البيّن بين الشعارات التي كان يرفعها في الماضي ومتطلبات المرحلة الراهنة، ومثل هذه التحولات المفاجئة والدراماتيكية في شخصيته ليست غريبة على من يتابع مسيرته، فقد هدد في السابق بمحاربة الولايات المتحدة وحلفائها، وحثّ مقاتليه على رفض أي مساعدة من الغرب في معركتهم ضد تنظيم داعش، ثم عاد لينقض ذلك تمامًا، مصرحًا بأننا كنا ننتقد بعض السياسات الغربية في المنطقة، ولكننا لا نهدف إلى شن هجمات ضد الدول الغربية!
وإذا نظرنا إلى هذا التحول بإيجابية، وتشبثنا بالتفاؤل الذي يجعلنا نرى في خطابه انفتاحًا واعدًا، وإدراكًا عميقًا وواعيًا للمرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها سورية، فإن واقع الأمر يفرض علينا أيضًا أن نقرأ مستقبل سورية بتحليل دقيق للسيناريوهات المنطقية المحتملة، وأن نستفيد من التجارب المشابهة والمتقاطعة مع الحالة السورية، فغالبًا ما تنتهي الحركات الإسلامية السياسية، والخطابات الجهادية، على اختلاف أماكن تواجدها الجغرافية، بعد تحقيقها لبعض الانتصارات، إلى حالة من التشرذم والانقسام والاقتتال الداخلي، مما يخلق واقعًا أكثر بؤسًا ومرارة من ذي قبل، ويعود ذلك إلى طبيعة تفكيرها والشعارات التي ترفعها، بدءًا من القول بجاهلية الأمة وصولًا إلى حتمية العودة إلى المنابع والأصول، وهي عودة تجاوزت في حركتها الكوميدية السوداء، مراحل التمسّك بالمظاهر الخارجية، واتخاذ الكُنى والألقاب والأزياء القديمة، إلى ابتكار أسواق للجواري والإماء والعبيد، مما يكشف عن وعي هذه الجماعات، وفهمها القاصر للدين، وسيرها المعاكس لاتجاه التاريخ الإنساني، فهي دائمًا ما تستمد من النصوص التراثية القديمة، وتقوم بإسقاطها على الواقع المعاصر، دون معالجتها وتكييفها مع طبيعة الحياة ومتطلباتها الآنية، ومن هنا يظهر التناقض والخلل والصدام، فهذه العقلية تظل حاضرة في الوعي السوري المعاصر، مهما بذلنا من أسباب التفاؤل، وأفرطنا في مظاهر الفرح والابتهاج، فليس من المنطقي أن نتوقع أن القاعدة الشعبية لهيئة تحرير الشام قد تخلت عن قناعاتها الراسخة وتنازلت عن أيديولوجيتها المتطرفة في ثلاثة أيام فقط، فحتى لو صح ذلك لقائدهم الشرع، فمن المؤكد أن ذلك لا يمثل الجميع، ومن هنا تنبع المخاوف وتظهر المخاطر، وهي ذات المفارقة التي رافقت الواقع الكارثي في أفغانستان وليبيا والسودان وغيرها من الدول التي ابتليت بهوس جماعات الإسلام السياسي.
وبناءً على ذلك، أخشى أن لا يطول شهر العسل السوري، وأن تنقلب هذه المكونات الثورية على نفسها، وتتشتت إلى جماعات متناحرة، يستند كل طرف منها إلى النصوص القديمة لتبرير موقفه واستقطاب الأنصار، وقد بدأت ملامح هذا الواقع المأساوي تلوح في الأفق، فحادثة حرق شجرة عيد الميلاد تمثل نقطة سوداء في تاريخ هذه المرحلة، بما حملته من خطاب متطرف، واعتداء سافر على مكونات المجتمع السوري، الذي وعد الشرع بحمايته والحفاظ عليه، ولا أجد أبلغ من كلمات الأب أندرو باهي التي وصف بها هذه الحالة بقوله: من حقنا أن نتخوف. لقد تعرضت أحياء مناطق شرق دمشق خلال السنوات الماضية لسقوط مئات القذائف وصمدنا في بيوتنا، لكن الآن لا تزال الأجواء غامضة، وهناك تضارب وتناقض واضح بين الأقوال والأفعال..
ولا نغفل عن بيان جامعة الدول العربية، الذي تضمن تحذيرًا صريحًا من إشعال نار الفتنة في سورية، مؤكدة أنها تتابع بقلق بالغ الأحداث المؤسفة التي تشهدها عدة مناطق سورية بهدف إذكاء نار الفتنة في البلاد.
إن الواقع السوري يتسم بهشاشة بالغة يغلفها فرح زائف بالخلاص الموهوم، ويسكنها قلق منطقي متزايد من بداية تطرف جديد تهيمن فيه جماعات الهوس الديني الساعية إلى إعادة إنتاج النموذج الطالباني والإخواني والداعشي والصفوي، مما يشكل وضعًا كارثيًا إذا لم يتم تداركه على وجه السرعة، من خلال تدخل عربي وإقليمي إيجابي وفعال، عبر كف يد الدول الداعمة لأنشطة الإسلام السياسي المتطرف، الذي يشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة بأكملها، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع خارطة الطريق التي رسمتها جامعة الدول العربية والمتمثلة في ضرورة احترام جميع الأطراف لسيادة سورية ووحدة أراضيها واستقرارها، وحصر السلاح بيد الدولة، وحل جميع التشكيلات المسلحة، ورفض التدخلات الخارجية المزعزعة للاستقرار، هذا هو المسار الصحيح، ولن يكون المضي فيه ممكنًا إلا إذا أدرك الجميع الواقع السوري المعقد، وأن يكون دعمهم بعيدًا عن التجاذبات والمخاتلات السياسية الساعية إلى توجيه دفة سورية باتجاه لا يخدم مستقبلها وأمنها واستقرارها.
وليظل الدعم الذي تقدمه المملكة العربية السعودية واجبًا ومستحقًا وغير مشروط للشعب السوري، هو النموذج والمثال لماهية التعامل السليم، والتقدير الأمثل لصيانة أمن سورية، وضمان بقائها محصنة من أهوال التطرف، ومخاطر التشرذم والانقسام.
الفترة الزمنية الفاصلة تبدو عصيبة ومثيرة للدهشة والاستغراب بين شعارات الثورة السورية، التي كانت تهدف إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد، والخطاب الذي يتبناه اليوم، حيث ظلت شعارات الثورة حبيسة خطاب ديني متطرف بلغ ذروة التشدد والتعصب، حتى صنّف الشرع من قبل الخارجية الأمريكية كإرهابي عالمي، بينما تتسم شخصية الشرع الحالية بعقلانية واضحة ومنطقية قادته إلى التصريح بأنه لا يمكن أن نتوقع في بلد كسورية، الغني بتنوع مكوناته، أن يسودها رأي واحد، وأكد أن «سورية قد انتقلت من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة».
إن الشرع لم يستغرق سوى ثلاثة أيام فقط لإظهار هذا التباين الصارخ والتناقض البيّن بين الشعارات التي كان يرفعها في الماضي ومتطلبات المرحلة الراهنة، ومثل هذه التحولات المفاجئة والدراماتيكية في شخصيته ليست غريبة على من يتابع مسيرته، فقد هدد في السابق بمحاربة الولايات المتحدة وحلفائها، وحثّ مقاتليه على رفض أي مساعدة من الغرب في معركتهم ضد تنظيم داعش، ثم عاد لينقض ذلك تمامًا، مصرحًا بأننا كنا ننتقد بعض السياسات الغربية في المنطقة، ولكننا لا نهدف إلى شن هجمات ضد الدول الغربية!
وإذا نظرنا إلى هذا التحول بإيجابية، وتشبثنا بالتفاؤل الذي يجعلنا نرى في خطابه انفتاحًا واعدًا، وإدراكًا عميقًا وواعيًا للمرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها سورية، فإن واقع الأمر يفرض علينا أيضًا أن نقرأ مستقبل سورية بتحليل دقيق للسيناريوهات المنطقية المحتملة، وأن نستفيد من التجارب المشابهة والمتقاطعة مع الحالة السورية، فغالبًا ما تنتهي الحركات الإسلامية السياسية، والخطابات الجهادية، على اختلاف أماكن تواجدها الجغرافية، بعد تحقيقها لبعض الانتصارات، إلى حالة من التشرذم والانقسام والاقتتال الداخلي، مما يخلق واقعًا أكثر بؤسًا ومرارة من ذي قبل، ويعود ذلك إلى طبيعة تفكيرها والشعارات التي ترفعها، بدءًا من القول بجاهلية الأمة وصولًا إلى حتمية العودة إلى المنابع والأصول، وهي عودة تجاوزت في حركتها الكوميدية السوداء، مراحل التمسّك بالمظاهر الخارجية، واتخاذ الكُنى والألقاب والأزياء القديمة، إلى ابتكار أسواق للجواري والإماء والعبيد، مما يكشف عن وعي هذه الجماعات، وفهمها القاصر للدين، وسيرها المعاكس لاتجاه التاريخ الإنساني، فهي دائمًا ما تستمد من النصوص التراثية القديمة، وتقوم بإسقاطها على الواقع المعاصر، دون معالجتها وتكييفها مع طبيعة الحياة ومتطلباتها الآنية، ومن هنا يظهر التناقض والخلل والصدام، فهذه العقلية تظل حاضرة في الوعي السوري المعاصر، مهما بذلنا من أسباب التفاؤل، وأفرطنا في مظاهر الفرح والابتهاج، فليس من المنطقي أن نتوقع أن القاعدة الشعبية لهيئة تحرير الشام قد تخلت عن قناعاتها الراسخة وتنازلت عن أيديولوجيتها المتطرفة في ثلاثة أيام فقط، فحتى لو صح ذلك لقائدهم الشرع، فمن المؤكد أن ذلك لا يمثل الجميع، ومن هنا تنبع المخاوف وتظهر المخاطر، وهي ذات المفارقة التي رافقت الواقع الكارثي في أفغانستان وليبيا والسودان وغيرها من الدول التي ابتليت بهوس جماعات الإسلام السياسي.
وبناءً على ذلك، أخشى أن لا يطول شهر العسل السوري، وأن تنقلب هذه المكونات الثورية على نفسها، وتتشتت إلى جماعات متناحرة، يستند كل طرف منها إلى النصوص القديمة لتبرير موقفه واستقطاب الأنصار، وقد بدأت ملامح هذا الواقع المأساوي تلوح في الأفق، فحادثة حرق شجرة عيد الميلاد تمثل نقطة سوداء في تاريخ هذه المرحلة، بما حملته من خطاب متطرف، واعتداء سافر على مكونات المجتمع السوري، الذي وعد الشرع بحمايته والحفاظ عليه، ولا أجد أبلغ من كلمات الأب أندرو باهي التي وصف بها هذه الحالة بقوله: من حقنا أن نتخوف. لقد تعرضت أحياء مناطق شرق دمشق خلال السنوات الماضية لسقوط مئات القذائف وصمدنا في بيوتنا، لكن الآن لا تزال الأجواء غامضة، وهناك تضارب وتناقض واضح بين الأقوال والأفعال..
ولا نغفل عن بيان جامعة الدول العربية، الذي تضمن تحذيرًا صريحًا من إشعال نار الفتنة في سورية، مؤكدة أنها تتابع بقلق بالغ الأحداث المؤسفة التي تشهدها عدة مناطق سورية بهدف إذكاء نار الفتنة في البلاد.
إن الواقع السوري يتسم بهشاشة بالغة يغلفها فرح زائف بالخلاص الموهوم، ويسكنها قلق منطقي متزايد من بداية تطرف جديد تهيمن فيه جماعات الهوس الديني الساعية إلى إعادة إنتاج النموذج الطالباني والإخواني والداعشي والصفوي، مما يشكل وضعًا كارثيًا إذا لم يتم تداركه على وجه السرعة، من خلال تدخل عربي وإقليمي إيجابي وفعال، عبر كف يد الدول الداعمة لأنشطة الإسلام السياسي المتطرف، الذي يشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة بأكملها، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع خارطة الطريق التي رسمتها جامعة الدول العربية والمتمثلة في ضرورة احترام جميع الأطراف لسيادة سورية ووحدة أراضيها واستقرارها، وحصر السلاح بيد الدولة، وحل جميع التشكيلات المسلحة، ورفض التدخلات الخارجية المزعزعة للاستقرار، هذا هو المسار الصحيح، ولن يكون المضي فيه ممكنًا إلا إذا أدرك الجميع الواقع السوري المعقد، وأن يكون دعمهم بعيدًا عن التجاذبات والمخاتلات السياسية الساعية إلى توجيه دفة سورية باتجاه لا يخدم مستقبلها وأمنها واستقرارها.
وليظل الدعم الذي تقدمه المملكة العربية السعودية واجبًا ومستحقًا وغير مشروط للشعب السوري، هو النموذج والمثال لماهية التعامل السليم، والتقدير الأمثل لصيانة أمن سورية، وضمان بقائها محصنة من أهوال التطرف، ومخاطر التشرذم والانقسام.
